الترميم و التعقيم

تعتبر المخطوطات إرثا حضاريا هاما ، وتتجلى أهمية المخطوطات من جانبين : الجانب الأول يتمثل في كونها وعاء معرفي يحفظ التراث الفكري والأدبي وينقله من جيل إلى جيل ، والجانب الثاني يتمثل في المظاهر الجمالية التي يحملها المخطوط من حيث صناعته على شكل كتاب ونوع الورق والأحبار المستخدمة فيه وطريقة تجليده وزخرفته .
ومن هنا برزت الحاجة إلى العناية بأصول المخطوطات حفظا وصيانة وترميما وتتجلى أهمية ترميم وصيانة المخطوطات في الآتي :
1- المحافظة على المخطوطات كإرث معرفي إنساني وإكسابه عمرا جديدا قد يطول لعقود وربما مئات من السنوات.
2- يعطي فرصة نادرة للأجيال اللاحقة للاطلاع على هذه المخطوطات وأن يروا رأي العين نماذج من شواهد الفكر والحضارة التي أبدعها أسلافهم مدونة على مخطوطات باقية كما هي بورقها وحبرها وخطوطها وأغلفتها وزخارفها البديعة .
3- تمهد وتسهل إمكانية الاطلاع والبحث في هذه المخطوطات من قبل الباحثين والمهتمين للتنقيب ونقل ما بين السطور الأمر الذي يتيح ظهور ونشر حقائق تاريخية وفكرية وعلمية.
العوامل المؤثرة على المخطوطات:
تعتبر المخطوطات والكتب بشكل عام شديدة التأثر بالعوامل المحيطة بها ويمكن حصر الأخطار التي تهدد المخطوطات والورقيات بشكل عام فيما يلي:
أولا: العوامل الطبيعية:
وهي الظروف المناخية المحيطة التي بتغيرها واختلافها يتأثر الإنسان والحيوان والنبات والجماد.
1- الحرارة: يؤدي ارتفاع درجة الحرارة عن المعدل الطبيعي في البيئة التي يحفظ فيها المخطوط إلى :
- سرعة تقادم المخطوط وسرعة تدهوره - إصابة الأوراق بالجفاف والاصفرار وسهولة الكسر – تكاثر ونمو بعض الكائنات الدقيقة التي تتلف الجلود والأوراق.
في المقابل فإن انخفاض درجة الحرارة عن المعدل الطبيعي لحفظ المخطوط يؤدي إلى ارتفاع درجة الرطوبة وهي عامل آخر يؤثر على صحة المخطوط.
2- الرطوبة: ارتفاع نسبة الرطوبة يؤدي إلى:
- انتفاخ الورق وتكون تشوهات في بنية الورق بسبب امتصاص ألياف السيليلوز الموجود في الورق لبخار الماء – تكون بقع ترابية على صفحات الأوراق والجلود – تكون الحموضة في الأوراق وذلك بتحويل غاز ثاني أكسيد الكبريت إلى حمض الكبريتيك – نمو الفطريات والبكتريا والحشرات التي تتغذى على مركبات المخطوط العضوية ( الصمغ، الورق، الجلد ) مما يسبب ظهور الثقوب والتآكل على الورق وبالتالي فقدان النصوص.
في المقابل انخفاض الرطوبة حول المخطوط يؤدي إلى جفاف الأوراق وتكسرها.
إذن فإنه كما يبدو أن عامل الرطوبة مرتبط تماما بعامل الحرارة.
3- الضوء:- يؤدي تفاعل الضوء مع شوائب الورق إلى ظهور بقع صفراء أو بنية – الأشعة البنفسجية وفوق البنفسجية تعمل على اضمحلال لون الحبر – يساعد الضوء على تكسير جزئيات السيليلوز بسبب تفاعله كيميائيا مع العناصر والشوائب الداخلة في تركيب الورق مثل الأحماض العضوية والأصماغ والنشا والأصباغ واللجنين (وهو عنصر شائب موجود في نشارة الخشب) وهذا اللجنين يتأكسد بسهولة بالأكسجين في وجود الضوء ويكون عيوبا لونية حيث يصفر الورق ويصبح بنيا وترتفع حموضته فيصبح صلبا هشا يتكسر ويتفتت.
4- الأتربة: إن قلة العناية بمخازن المخطوطات وعدم الاهتمام بالنظافة وترك الأبواب والمنافذ مفتوحة يؤدي إلى تراكم الأتربة والغبار على المخطوطات والذي يؤدي بدوره حدوث أضرار بها لا تقل أثرا عن الحرارة والرطوبة حيث تساهم الأتربة في حمل بويضات الحشرات وجراثيم الفطريات وذرات المعادن التي تعلق بذرات الغبار و كل هذه الأسباب تساعد في تكوين الحموضة.
5- الكوارث الطبيعية : الزلازل، الحرائق ، الفيضانات.
ثانيا : العوامل الكيميائية:
ما من شك بأن التطور والتقدم الصناعي في القرنين الأخيرين طالت آثاره السلبية كثيرا من الجوانب ومنها المخطوطات ويتجلى هذا التأثير واضحا من خلال الغازات الكيميائية وإفرازات المصانع التي تنتشر وتتفاعل مع الغازات الموجودة في الجو. وأهم هذه الغازات الضارة بالمخطوطات:
1- غاز ثاني أكسيد الكبريت
عندما تمتص الأوراق هذا الغاز يتفاعل مع الماء فيتحول بعد تأكسده إلى حمض الكبريت الذي يرفع حموضة الورق مما يكسب الورقة الهشاشة والتفتت.
2- غاز كبريت الهيدروجين يتفاعل مع بعض فلزات العناصر الداخلة في زخرفة المخطوطات فيشكل بقع سوداء على الورق
3 - غاز النشادر: يؤدي إلى ظهور ترسبات ملحية على الجلد والقماش المستخدم لتجليد المخطوط.
4- غاز الأوزون: يبرز أثره أكثر في المدن الصناعية حيث يتكون نتيجة تفاعل الأكاسيد النيتروجينية الناتجة من عوادم السيارات مع أشعة الشمس الذي يؤدي إلى تدمير المركبات العضوية في المخطوط مثل سيليلوز الورق كما أنه يبهت الألوان على الأقمشة والأغلفة.
ثالثا : العوامل البيولوجية:
وتتمثل في الكائنات الحية الدقيقة والمرئية وفي الواقع ومن خلال تجربتنا في سلطنة عمان وجدنا أن هذه الكائنات هي الأشد خطرا على المخطوطات حيث أنها يمكن أن تتلف المخطوط بالكامل خلال فترة قصيرة ولذا يجب أخذ الحيطة والحذر منها.
وأهم هذه الكائنات:
1- القوارض: كالفئران والجرذان التي تعمل على قرض كل مكونات المخطوط من الكعب إلى الأطراف وهي شرهة جدا مما يعرض المخطوط للهلاك في فترة قصيرة.
2- الحشرات أبرزها: الصراصير، النمل الأبيض ( الأرضة ) ، السمك الفضي ، دود الورق، خنافس الجلود ، قمل الكتب. وهذه كلها تتغذى على مكونات المخطوط ( الجلد، الورق، الغراء أو اللاصق )
3- الكائنات الدقيقة: وهي التي لا ترى بالعين المجردة وتتمثل في الفطريات والبكتيريا.
- الفطريات: تتواجد الفطريات حيث تتواجد المواد الغذائية العضوية وهي شائعة في مخازن الكتب وتنتج الجراثيم بأعداد هائلة التي بدوها تعطي مزرعة فطرية جديدة تلد الجراثيم وهكذا تستمر الدورة. وتتسبب في تبقع الأوراق ببقع تختلف في لونها باختلاف الفطر المسبب لها ويصبح الورق طريا وضعيفا كما يظهر العفن بشكل واضح عليه.
- البكتيريا: تتميز بسرعة انقسامها وتكاثرها ويمكن الكشف عنها باختلاف ألوانها التي تظهر على الورق والجلد على شكل عفن، وهي أقل ضررا على المخطوطات من الفطريات لأنها تحتاج إلى نسبة عالية من الرطوبة تزيد عن 90% .
رابعا: العوامل الفيزيائية:
تتجلى في الفعل الإنساني نتيجة الإهمال والتقصير وذلك من خلال:
- الحك : نتيجة الاستخدام المباشر والتناول.
- التشويه: عن طريق البقع أو الأوساخ نتيجة الإهمال واللامبالاة ونتيجة أيد غير نظيفة بها دهون أو أنها مبتلة بالعرق.
- التمزيق: من خلال الاستخدام المتسرع والخشن.
- الكتابة على الهوامش بأقلام الحبر.
- طي الصفحات لتحديد علامات أثناء القراءة .
- ربط الصفحات بالدبابيس التي تتأكسد وتتلف الورق.
طرق الوقاية والحماية وأساليب الحفظ:
"درهم وقاية خير من قنطار علاج" لعل هذه المقولة هي أفضل ما يجب أن يعتمد كمبدأ لحماية وحفظ المخطوطات، ذلك أن تكلفة العناية بالمخطوطات هي أمر باهض الثمن وذلك من خلال الأدوات والأجهزة المستخدمة والمتابعة الدورية وعمليات العلاج والترميم.
ولذا فإن الأصل في هذا الشأن هو التركيز على وسائل الوقاية والحفظ الأولي التي يمكن أن تجنب صرف مبالغ كبيرة في حال اللجوء إلى الترميم وتجنب أيضا تدهور حالة المخطوطات للأسوأ.
وفي الواقع فإن القائمين على دار المخطوطات بوزارة الثقافة والرياضة والشباب بسلطنة عمان اهتموا بذلك منذ البداية ووضعوا في الحسبان تهيئة الظروف الملائمة والممكنة لحفظ المخطوطات حفظا سليما يجنب تدهورها.
وقد تمثل ذلك من خلال العديد من الإجراءات نوردها في الآتي:
1- ضبط درجات الحرارة ما بين 18 – 22 درجة مئوية وهذه الدرجة المعمول بها في الكثير من مراكز حفظ المخطوطات والتي ينصح بها المختصون ويتم هذا الضبط من خلال أجهزة التكييف المركزي التي تعمل تلقائيا.
2- ضبط الرطوبة النسبية بين 55% - 60% من خلال:
- أجهزة لقياس درجة الرطوبة ( جهاز لامتصاص الرطوبة في حال زيادتها عن المعدل المطلوب )، وضع مادة السليكاجل في زوايا متفرقة من المكتبة والتي تقوم بامتصاص الرطوبة ويمكن إعادة استخدامها بعد تبخير ما بها من رطوبة.
3- ضبط الإضاءة من خلال: - استخدام ستائر سميكة على النوافذ وتغطيتها بشرائح فلمية سوداء عاكسة.
4- تركيب نظام حماية من الحريق ( لا يستخدم الماء وإنما يستخدم الغاز لإطفاء الحريق).
5- استخدام نوعية خاصة من الصناديق لحفظ المخطوطات وهي صناديق معالجة وخالية من الحموضة وتعرف باسم صناديق المناخ.
6- استخدام الأرفف والخزانات الحديدية بدلا من الخشبية التي هي عرضة للإصابة والتآكل
7- تعقيم المخطوطات بشكل دوري باستخدام طريقة التبخير باستخدام جهاز تعقيم مخصص للقضاء على البكتيريا والفطريات والآفات الحشرية بالمخطوطات.
8- النظافة اليومية المستمرة للمكتبة وخزانات العرض والقاعات القريبة منها بتنظيف الأرضيات والأرفف.
9- استخدام أرضية مبلطة بالرخام عوضا عن السجاد أو الخشب وذلك لسهولة التنظيف ولأن السجاد والخشب عرضة للآفات الحشرية وتجميع الغبار والأتربة.
10- منع الدخول قطعيا لغير الموظفين المختصين .
11- منع تناول المأكولات والمشروبات بالقرب من المكتبة.
12- توعية المستخدمين بالطرق الصحيحة لتناول المخطوط ووضعه وذلك من خلال:
- التناول بكلتا اليدين – نظافة الأيدي – الاستعانة بالفهارس وقواعد البيانات لتسهيل الحصول على المخطوط عوضا عن البحث بين عشرات المخطوطات لاستخراج مخطوط واحد – عدم التأشير على أوراق المخطوط بالطي أو بالحبر.
13- المراقبة والتفتيش الدوري بغرض الوقوف على إصابات قد تستجد على المخطوطات أو حدوث تلف في المبنى ( فتحات ، ثقوب )
14- تصوير المخطوطات على الميكروفيلم وعلى الأجهزة الرقمية وعمل نسخ ورقية منها، وذلك للحد من تداول المخطوط الأصلي وبالتالي تقليل احتمالات حدوث أضرار للمخطوط.
15- إنشاء قسم للترميم والصيانة:
يعنى هذا القسم بترميم وصيانة المخطوطات، ويتولى القسم الدور الأكبر في حماية المخطوطات ويمكن أن نجمل أدوار القسم من خلال الآتي :
1- يتولى القسم عمليات المراقبة والمتابعة لمكتبة حفظ المخطوطات.
2- تقديم النصح للمستخدمين حول كيفية التعامل مع المخطوط.
3- معالجة وترميم مخطوطات الوزارة ومخطوطات المواطنين والجهات الخاصة.
4- تأهيل الموظفين باستمرار في مجال الترميم من خلال ابتعاثهم لدورات خارجية لمراكز الاختصاص في الوطن العربي وخارجه. وأيضا يأخذ هذا التأهيل شكلا آخر من خلال استضافة خبراء مختصين في هذا المجال.
5- تطبيق التقنيات والطرق المناسبة للترميم والحفظ واستخدام أفضل الأجهزة في هذا الحقل.
6- تدريب طلبة الجامعات والكليات خلال فترة إجازتهم الصيفية وفي هذا توعية للأجيال بأهمية المخطوط وطرق صيانتها وحفظها.
7- المشاركة في معارض المخطوطات بركن خاص يشرح طريقة ترميم المخطوط.